اللعبة الكبرى تعود إلى آسيا الوسطى..هذه المرة الاقتصاد لا السياسة

تعود اللعبة الكبرى إلى الظهور مرة أخرى في آسيا الوسطى، ولكنها تحصل على اسم جديد وتتبنى مجموعة مختلفة من القواعد. الاقتصاد، وليس السياسة، هو الذي يحدد شروط التنافس الحالي بين القوى العظمى على النفوذ الإقليمي، وفقا لتقرير أعده معهد أبحاث كازاخستاني.

هناك اختلاف رئيسي يحكم المنافسات العالمية في آسيا الوسطى في القرنين التاسع عشر والحادي والعشرين: ففي هذه الأيام، تتمتع الدول الإقليمية، وليس الغرباء، بالنفوذ الأكبر على النتائج المحتملة، وفقًا للتقرير الذي يحمل عنوان "السعي وراء تعدد الاتجاهات من خلال دبلوماسية الأعمال": الطريق إلى آسيا الوسطى. ونشر التقرير مركز تالاب للأبحاث التطبيقية.

وجاء في التقرير أن “المنطقة، التي كانت في السابق مسرحاً للعبة الكبرى في مواجهة القوى العظمى، تحاول الآن أن تصبح منطقة فرص”.

كان هجوم روسيا غير المبرر على أوكرانيا في عام 2022، وفرض العقوبات الغربية لمعاقبة العدوان الروسي، سببا في تغيير الديناميكيات الجيوسياسية في آسيا الوسطى من خلال إعادة إحياء اهتمام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالمنطقة. وبالتالي، شجعت تصرفات روسيا تنويع التجارة والاستثمار، وتغيير أنماط التجارة بين الشرق والغرب التي تربط الصين وأوروبا. فقد أدت العقوبات إلى تقليص فائدة الممر الشمالي عبر السكك الحديدية العابرة لسيبيريا، في حين وفرت قوة دافعة لنمو الممر الأوسط عبر آسيا الوسطى.

وقد أدت هذه التغيرات إلى تحويل مركز الثقل الجغرافي الاقتصادي في آسيا الوسطى. وقد تفوقت الصين على روسيا باعتبارها الشريك التجاري الأكبر في المنطقة، في حين أن الاتجاه العام يتجه نحو تنويع الشركاء التجاريين. ومن المتوقع أن تستمر حصة الغرب من تجارة آسيا الوسطى في ظل الديناميكية الحالية في الارتفاع.

ويشير تقرير تالاب إلى أن "ديناميكيات التجارة والاستثمار في المنطقة تظهر تحولًا كبيرًا في التنويع مع الأسواق غير التقليدية في أوروبا وأمريكا الشمالية وجنوب آسيا والشرق الأوسط منذ عام 2022". "لقد أصبح هذا ممكناً بفضل السياسة التقليدية المتعددة الاتجاهات للمنطقة، والتي تحولت، تحت ضغط الصراعات المتصاعدة، إلى سياسة عدم الانحياز المؤكدة - الرفض القاطع لأي تورط في الصراع".

ويشير التقرير إلى أن الاتصالات بين الاتحاد الأوروبي ودول آسيا الوسطى "اكتسبت ديناميكية خاصة" منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية. كما تشير إلى أن الرأي العام في المنطقة يشير إلى أن غالبية سكان المنطقة لا يريدون الانجرار إلى المواجهة بين الغرب وروسيا المدعومة من الصين.

وقد أجبرت الظروف السائدة دول آسيا الوسطى على "موازنة المصلحة الحقيقية في تطوير علاقاتها مع العالم الغربي في حين أنها محاطة بإيران وأفغانستان والصين وروسيا، وهي البلدان التي توترت علاقات الغرب معها، بل وحتى متوترة".

إن تعظيم التعددية الاقتصادية سوف يتطلب بعض العمل من جانب حكومات آسيا الوسطى لتعزيز القدرة على التنبؤ بمناخ الأعمال الإقليمي. وتظل قواعد التجارة وحقوق الملكية المحددة بشكل غامض، إلى جانب عدم موثوقية الأنظمة القضائية الإقليمية، من العوائق الكبيرة أمام الاستثمار الغربي. كما يشكل الافتقار إلى آليات لإنفاذ العقود أو حل النزاعات بين الشركات عائقا أمام الاستثمار. وبالإضافة إلى تعزيز استقلال النظام القضائي، يوصي تقرير تالاب بإصلاح قوانين الضرائب الإقليمية لتعزيز بيئات الأعمال الأكثر "إنصافاً".

وجاء في التقرير أن "مناخ الاستثمار في آسيا الوسطى يعكس توازناً صعباً بين تصميم الحكومات على الاستفادة من الاهتمام المتزايد بالمنطقة وجمود الحواجز المؤسسية". "للاستفادة من هذه الفرص، يتعين على دول المنطقة معالجة الحواجز المؤسسية والتنظيمية القائمة أمام الشركات والمستثمرين المحليين والدوليين، وتعزيز سيادة القانون، وفرض منافسة عادلة ومفتوحة، وتنفيذ لوائح ضريبية صديقة للأعمال، ومواءمة المعايير التجارية والجماركية واللوجستية”.