العمل المصرفي والمالي الإسلامي: المضاربة

تعتبر المضاربة جزءاً أساسياً وشكلاً من أشكال عمليات الاسترباح المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. وبشكلٍ عام يقصد بالاسترباح التعاقد بين طرفين أو أكثر على أن يقدم أحد الأطراف أو بعضهم جزءاً من ثروته أو ثروتهم إلى أحد الأطراف أو بعضهم ليتولى أو يتولون إدارتها من أجل الاشتراك في الربح. وتتمتع عمليات الاسترباح بعدد من الخصائص وهي:

- انفراد طرف بتقديم رأس المال سواء كان نقوداً حاضرة (كما هو حال عقد المضاربة) أو أرضاً للزراعة (عقد المزارعة) أو أرضاً للغرس (عقد المغارسة) أو أشجاراً ومحاصيل لسقايتها ورعايتها (عقد المساقاة).

- انفراد طرف بإدارة ما قدمه الطرف الآخر والتصرف فيه. وهذا هو مبدأ فصل الإدارة عن الملكية، المعروف جيداً في أدبيات العمل التجاري.

- اشتراك الطرفين بتقاسم الناتج، فإن كان ربحاً تحاصصاه وإن كان خسارة أتت على ما قدمه الممول دون أن يكون هناك أي تبعة على الطرف الآخر، والذي لا يخسر في هذه الحالة إلا تعبه المبذول الذي لم يحصل لقاءه أي عائد.

- تستمر العملية إلى حين انتهاء العقد المحدد للصفقة. وبالتالي فإن الاسترباح يأخذ أشكالاً عدة تندرج في الأقسام التالية:

المضاربة: وفيها يكون رأس المال نقوداً حاضرة.

المزارعة: وفيها يكون رأس المال أرضاً للزراعة.

المغارسة: ورأس المال فيها أرض تحتاج إلى غرسها.

المساقاة: ورأسمالها أرض عليها نبات يحتاج إلى السقاية.

سنقوم في هذه المقالة بشرح أساسيات المضاربة وفي المقالة اللاحقة سنستعرض الشكل الثاني للمضاربة وهو المضاربة المشتركة.

الشكل العام للمضاربة

المضاربة بحسب أحكام الفقه الإسلامي هي عقد شراكة في الربح بمال من جانب وعمل من جانب. أي أنها تقوم على دفع مال من الطرف الأول إلى الطرف الثاني ليتجر به، ومن ثم تقاسم الربح بينهما. وهي تقوم في جوهرها على تلاقي أصحاب المال وأصحاب الخبرة والإدارة، بحيث يقدم الطرف الأول ماله ويقدم الطرف الثاني خبرته العملية والإدارية في تقليب هذا المال وتحقيق الربح الحلال الذي يقسم بين الطرفين وفق نسب يتفق عليها. وهذا الشكل من المضاربة يختلف كلياً عن مفهوم المضاربة التقليدية (Speculation) والذي يراد به المغامرة والمجازفة في عمليات البيع والشراء.

وعليه فإن هذا الأسلوب يحقق مصلحة كلا الطرفين فقد لا يكون لدى رب المال الوقت والخبرة الكافيين لإدارة أمواله وتقليبها بغية تنميتها وتثميرها. وقد لا يجد صاحب الخبرة والإدارة (المضارب) المال الكافي ليصب فيه خبرته ومعارفه في المجالات المختلفة.

وفيما يلي نورد الخطوات التي يسير عليها عقد المضاربة من منظور المصرف الإسلامي (بصفته رب المال، وليس المضارب):

1- تكوين مشروع المضاربة:

يقدم المصرف رأس المال اللازم للمشروع ويأخذ بذلك صفة رب المال. فيما يقدم المضارب خبرته وجهده ووقته لاستثمار هذا المال لقاء حصوله على حصة من الربح يتفق عليها بين الطرفين.

2- نتائج المضاربة:

يحسب الطرفان النتائج المتولدة عن عملية الاستثمار ويقتسمان الأرباح في نهاية فترة المضاربة، أو يمكن أن يتفقا على تقاسم دوري لهذه الأرباح مع مراعاة جميع الضوابط الشرعية.

3- تسديد رأسمال المضاربة:

في حالة اتفاق الطرفين على توزيع الأرباح في نهاية فترة المضاربة يستعيد المصرف رأسمال المضاربة الذي قدمه قبل أن يتم تقاسم الأرباح بين الطرفين. ويعود ذلك إلى مبدأ أن الربح ينبغي أن يكون وقايةً لرأس المال. وفي حال الاتفاق على توزيع الأرباح دورياً فإنها تكون على الحساب معلقة إلى حين تسوية وضع رأس المال، تطبيقاً لمبدأ الوقاية.

4- توزيع الثروة الناتجة عن المضاربة:

يتحمل صاحب المال وهو المصرف هنا الخسائر في حال وقوعها ما لم تكن ناتجة عن تعدٍ أو إهمال أو خرق للشروط من قبل المضارب. فإن كانت كذلك فيتحملها المضارب. أما الأرباح فهي توزع بين الطرفين حسب الاتفاق مع مراعاة مبدأ الوقاية.

شروط صحة المضاربة

هناك مجموعة من الشروط التي لا بد من مراعاتها حتى تصح المضاربة، وهي تأتي في مجموعات:

- الشروط المتعلقة برأس المال

- أن يكون رأس المال من النقود، ولا يجوز أن يكون على شكل ما يسمى العروض، أي البضاعة، المعدات

والآلات، وسائل النقل، إلخ، إلا إذا تم تقييمها بالنقود.

- ألا يكون رأس المال ديناً في ذمة المصرف.

- الشروط المتعلقة بالعمل

- أن تنحصر المضاربة في التجارة فقط.

- ألا يضيق رب رأس المال على المضارب في تصرفاته التي يبتغي بها الربح. فلا يجوز أن يقيده بنوع من التجارة ولا بأطراف تبادل معينين ولا بمكان وزمان معينين.

تنبيه: هذا المحتوى هو معلومات تعبر عن رأي كاتبها فقط ولا يشكل نصيحة مالية أو إستثمارية، ولا تقدم شركة (ACY) أي تعهد أو ضمان فيما يتعلق بدقة أو إكتمال المعلومات المقدمة من قبل كاتب المحتوى، ولا تتحمل أي مسؤولية عن أي خسارة ناجمة عن أي إستثمار قائم على توصية أو تكهن أو معلومات مقدمة في هذا المحتوى.